أتكاثر في وحدتي

07 ديسمبر 2015
لوحة للفنان الفرنسي إدغار دوغا (Getty)
+ الخط -
1
الموت يشرق من الغرب
على هذه الطاحونة الصدئة
لم تعد تجدي الكلمات.
منذ أن وقف الشعر مندهشًا مثل الأبله
يراقب الشمس الجديدة
الشمس التي ...
قذيفة.


2
في يوم ميلادي
أخرج وحدي
في زيارة عائلية
إلى أمنا الأرض
أقبّل رأسها في الجبال
وأنادم أبناءها البارين :
الأشجار والكلاب البرية.
في يوم ميلادي
أخرج سعيدًا
في زيارة استباقية.
أختصر المسافة والزمن
بين وبين ندمائي
أفتش عنهم بقنينة وعلبة سجائر.
ندمائي
الذين يختبئون خلف المصادفات البعيدة.
في يوم ميلادي
يخرج "الحاج عياد" من بستانه
يحمل صندوق رمّان إلى الشارع العام
على غير العادة.
وقتها، أرجع نازلًا من قمة جبل دكا
على غير العادة أيضًا.
أتوقف عنده
لنمضي الليل
مع أم كلثوم
وعريشة العنب
التي سكرنا تحتها على حكايات الأقصر
وبيته الذي تركه هناك
بين سيقان القصب.


3
أتكاثر في وحدتي
وأوزع الكؤوس على خلقي الجديد
أسكب لهم الشراب وأكسر حدّته بالماء والثلج
أحدثهم عن الأشياء خارج غرفتنا
وأؤكد لهم بأنهم حقيقيون أكثر من العالم .
أحدثهم إلى أن أعود لا أسمع إلا صوتي
وحيدًا ... خالصًا ... حقيقيًا أكثر مما يجب.
أغلق دفتري، وأضع قلمي جانبًا.
وأخرج.


4
أجمع أحزان الأسبوع وأغضبها في ليلة واحدة
مع الثلج والشراب
أجمع غضبي وحنقي وأربطه جيدًا، كي لا يتنفس في وجوه الآخرين.
لكنهم يسألونني
عن أظافري الطويلة
وجواربي التي لا أتقن ارتداءها
يسألونني عن الشيب
والوزن الزائد
عن القصائد
وعني ..
يستمرون بالسؤال عن كل الأشياء التي لا أفهمها
ولا أبالي.


5
أوصد باب غرفتي جيدًا
وأتركهم على الغارب
ينسجون الشائعات حول موتي أحياناً
وعن غروري ولا مبالاتي على الأغلب.
أمشي في الطريق الذي صنعته وحدي بلا هوادة، وبلا أثر أمامي أو خلفي.
أحطم الأصنام
وأرفع فأسي عاليًا مثل نخب أقرعه في عين العالم.


6
أطارد القمر في جدة
من شارع التحلية إلى طريق الكورنيش
يتوسط زجاج السيارة أمامي
ويتوسط قلبي والدخان المتصاعد من المآذن..
أطارد القمر في جدة
من أوّل طريق الملك
أتأمل تضاريسه،
فتمر وجوه كل الصالحين الذين عرفتهم مثل مشهد سينمائي
تلتقطني كاميرا "ساهر" بدون أن تمنحني فرصة للابتسام أو التلويح:
كيف يسير الناس بالسرعة نفسها التي يريدها النظام؟!


7
أطارد القمر في بيروت
من شارع إلى شارع
يختفي خلف حانة، ثم فجأة يخرج من خلف المحطة وهو يعدّل بنطاله.
أطارد القمر في بيروت
وأشعل سيجارتي
بينما يطلّ برأسه الصغير من خلف أوراق الشجر
القمر في بيروت، صغير ورشيق مثل نهد تلمّه بقبضة واحدة: نهد غبت عنه شهرًا كاملًا فانقبض من الحزن والشهوة..
القمر في بيروت، نديم سماوي
يرافقك من أوّل حانة في الجميزة إلى نهاية مار مخايل.
وعندما اتجه إلى سوق الغرب مع فيديل، أضعه في زجاجة البيرة وأشربه على طول الطريق.


8
الأصدقاء الذين يعرفون طريق بيتي
أعّدهم مثلما أعّد السجائر المتبقية آخر الليل
أجلس معهم على الأرض: أناول القبلة لحبيبتي
والكأس لأصدقائي.
وحين يغادرون، أعود إلى الكرسي
أشاركه وحدته الخشبية.


9
في صحة ندماء ليلة العيد
جميل أو أبو زامل النمر الذي ظلّ يصنع لي الخمرة أكثر من عشر سنوات، بالتمر وأحيانًا بالعنب.
يدفنها وينساها حتى تصرخ في منامه فيهرع إليها من حينه. ثم "يساقيها" بالهال حتى تطيب نفسها.
المرة الأخيرة التي دفن فيها التمر، لم يأته أحد في المنام.
قرر أن يذهب بنفسه تحت الأرض ... ولم يعد.
ارفع كأسي هذا في صحته،
وفي تعبه الشديد،
وفي حلمه الأخير تحت التراب.


10
قبل أيام، دهست قطة تعبر الشارع بصفاقة.
شعرت بتحطم عظامها الصغيرة ودماغها الذي انساب على الشارع بشكل صارخ مثل احتجاج علني على عبثية هذا الوجود...
والحياة اليومية.
أتذكر تخبط القطة عند رؤية القدر متجهاً نحوها وفي يده مركبة، أتذكر تخبطي بين يدي القدر.
أتذكر ذلك وأراه بعيني رجل مسلح يدير ظهره لجثة هامدة.

(شاعر سعودي)
دلالات
المساهمون