"الأشقاء" الخصوم

25 ديسمبر 2016

مندوب فلسطين في الأمم المتحدة بعد مرور القرار2334 (23/12/2016/Getty)

+ الخط -
لا خلاف على أن ما شهده مجلس الأمن الدولي مساء يوم الجمعة الماضي كان استثنائياً على أكثر من صعيد، ولا سيما لجهة إعادة وضع القضية الفلسطينية على مسرح الأحداث الدولية بعد غياب سنوات، إضافة إلى فضح تآمر النظام المصري على الوضع الفلسطيني وسائر القضايا العربية. من المحقّ الاحتفال بالنصر الذي تم إنجازه في المحفل الأممي، ولكن من دون الإفراط في التفاؤل في ما يخص اليوم التالي بعد صدور القرار 2334، والذي ينضم إلى كثير سواه من قرارات دولية خاصة بفلسطين، لم تجد طريقها إلى التنفيذ، ولم يجرؤ أحد على إرغام سلطات الاحتلال على تطبيق القانون الدولي. 
رقم جديد أضيف إلى لائحة القرارات الدولية الكثيرة الخاصة بفلسطين، والتي بدأت عندما كانت الأرقام لا تتجاوز الخانات الثلاث، ووصلت الآن إلى أربع، لكن ذلك لا يمنع من الاستفادة مما كشفه الطريق الذي شقّه مشروع القرار للوصول إلى مرحلة التصويت، وقراءة ما بعد مرحلة التصويت من دون كثير من التوهم، ولا سيما في ما يخص عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار، على عكس ما كانت تفعل سابقاً.
نقطة التوقف الأولى في مسار القرار لا بد أن تكون أمام الموقف المصري، منذ بداية تقديم المشروع باسم المجموعة العربية، ومن ثم سحبه بشكل مفاجئ من التداول. موقف، وخصوصاً بعد كل المعلومات التي راجت بعده لجهة الاتصالات المصرية الإسرائيلية، ثم الاتصالات مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، يؤشر إلى ما يمثله النظام المصري من خطر على القضايا العربية عموماً، وليس على القضية الفلسطينية فقط. واللافت أن أي موقف مصري لم يخرج لينفي أن تكون القاهرة قامت بهذه الخطوات التي تحدثت عنها الصحف الأميركية والإسرائيلية، بل التزمت بالرواية الوحيدة عن سحب المشروع لمزيد من التداول، على الرغم من أن الأجواء كانت تؤشر إلى إمكان إمراره. الأنكى أنه لم يكن سحب المشروع ومنع التصويت عليه فحسب، بل تأجيله إلى "أجل غير مسمى"، في محاولةٍ من إدارة عبد الفتاح السيسي لتسليف الإدارة الأميركية الجديدة وإسرائيل مواقف على حساب القضايا العربية، ولا سيما في ظل معلوماتٍ كانت تؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وبضغط من وزير الخارجية جون كيري، لم تكن تنوي استخدام حق النقض، وهو ما اتضح في التصويت الذي تم الجمعة، بعدما أخذت فنزويلا ونيوزيلندا والسنغال وماليزيا على عاتقها تبني القضايا العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً.
لكن، من المبالغة قراءة عدم الاستخدام الأميركي "الفيتو" بأنه نقطة تحول في الموقف من إسرائيل، بل لا بد من وضعه في إطاره الخاص بالمناكفة بين الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ولا سيما في آخر أيام الإدارة الديمقراطية واقتراب إدارة يمينية، تمثل تغريدات ترامب اليومية توجهاتها.
وبغض النظر عن الموقف الأميركي، وبالعودة إلى السلوك المصري، فإن الأخطر فيه أنه جاء من الدولة التي تتحكّم بمفاصل القضية الفلسطينية منذ سنوات، ولا سيما بعدما سلمتها الدول العربية زمام متابعة الوضع باتفاق ضمني، وبرضىً فلسطيني على مضض. ولعل الخطوة الأولى بعد القرار الدولي، وقبل التوجه إلى أي محافل دولية لتجريم الاستيطان، هو سحب الملف الفلسطيني من الإدارة المصرية، بعدما اتضح حجم التآمر، والذي بات حريصاً على المصالح الإسرائيلية أكثر من الولايات المتحدة نفسها التي رعت الدولة العبرية منذ ولادتها.
ليست ميزة التصويب على القرار الدولي إضافة رقم جديد إلى لائحة القرارات الخاصة بفلسطين، بل في الكشف عن "أشقاء" أشدّ عداوة من الأعداء.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".